شهر رمضان المبارك

شهر رمضان المبارك

شهر رمضان المبارك هو أفضل الأشهر على الإطلاق، وقد خصَّه الله سبحانه وتعالى بالكثير من المزايا التي تميزه عن غيره من الشهور، حيث أُنزل فيه القرآن الكريم، كما أن به ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر. ومن حكمة الله تعالى أنه فضَّل بعض الأيام على بعض وبعض الشهور على بعض وبعض الأماكن على بعض وبعض الأزمنة على بعض.

وفيما يتعلق بتفضيله في جانب الشهور فإنه سبحانه وتعالى قد فضَّل شهر رمضان على سائر الشهور فهو خيرها على الإطلاق، ويأتي شهر رمضان بعد شهر رجب وشهر شعبان وهما من الأشهر المباركة، ومن رحمة الله تعالى بالأمة الإسلامية أن أعطاها الفضائل والنفحات التي تكون في هذا الشهر، إذ أنه شهر النفحات الإلهية والعطايا الربانية.

كم باقي على شهر رمضان 2024
العد التنازلي لرمضان

فضل شهر رمضان المبارك

لشهر رمضان الكثير من الفضائل من أبرزها على الإطلاق أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل فيه القرآن، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). البقرة:185.
وقد نزل القرآن في شهر رمضان، ولعل نزوله في هذا الشهر من أعظم الفضائل وأشرفها على الإطلاق.

ومن فضائله أيضًا أن أبواب الجنة تفتح فيه، وأن أبواب النار تغلق فيه وكذلك تُصفَّد فيه الشياطين حيث أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: “إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ”. (أخرجه مسلم في صحيحه).

ومن فضائل هذا الشهر أن الله سبحانه وتعالى قد فرض فيه الصيام قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). البقرة:183، وقد أكَّدت الآية أن الله سبحانه وتعالى فرض الصيام على الأمم التي سبقت الأمة الإسلامية، وبيَّنت الآية كذلك أن العِلَّة من الصيام تحقيق التقوى والوصول لها.

وفي بيان فضائل الصيام وردت عدة أحاديث منها ما أخرجه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسولُ اللَّهِ : قال: “قالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ”. (أخرجه البخاري في صحيحه).

ومعنى الحديث أن الله سبحانه وتعالى تكفَّل بإثابة الصائم لأن الصوم من الأعمال التي لا يدخل فيها الرياء وهو من أعمال المراقبة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد رتَّب عليه الأجر العظيم، وأكَّد الحديث أيضًا أن الصيام وقاية لصاحبه من الوقوع في اللَّغو والرَّفث، حتى وإن تعرَّض للإيذاء فعليه أن يصبر لئلَّا يضيع صيامه، وأضاف الحديث أن تغير رائحة فم الصائم بسبب امتناعه عن الطعام والشراب أطيب عند الله سبحانه وتعالى من ريح المسك.

ولأن الصيام أجره عظيم فإن الله تعالى قد أعد للصائم فرحتين إحداهما عند إفطاره من صيامه، والثانية عند لقائه ربه سبحانه وتعالى وإثابته على صيامه، ولأن الصوم من أركان الإسلام ومن العبادات العظيمة فإن الله تعالى جعل صيام رمضان من أسباب تكفير الذنوب حيث أخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”. (أخرجه البخاري ومسلم).

ومعنى الحديث أن المسلم إذا صام رمضان موقنًا بفرضية الصيام محتسباً الأجر عند الله سبحانه وتعالى فإن الله عز وجل يغفر له الذنوب التي اقترفها في حياته، وهذا الأجر متعلق بصيام الفريضة، أما صيام النافلة فإن الله تعالى قد أعد عليه أجرًا عظيمًا أيضًا فعن أبي سعيدٍ رَضِيَ الله تعالى عنه، عن النبيِّ أنَّه قال: “من صام يومًا في سبيلِ الله، باعَدَ اللهُ وَجهَه عن النَّارِ سَبعينَ خريفًا”. (أخرجه البخاري ومسلم).

ولذلك فإن الله تعالى قد جعل في الجنة بابًا خاصًا بالصائمين يقال له باب الريان فعن سَهلٍ رَضِيَ الله تعالى عنه أنَّ النَّبيَّ قال: “إنَّ في الجنَّةِ بابًا يقال له: الريَّانُ، يدخُلُ منه الصَّائِمونَ يومَ القيامةِ، لا يدخُلُ منه أحدٌ غَيرُهم. فيقال: أين الصَّائِمونَ؟ فيقومونَ، لا يدخُلُ منه أحدٌ غَيرُهم، فإذا دخَلُوا أُغلِقَ، فلم يدخُلْ منه أحدٌ”. (أخرجه البخاري ومسلم).

وهذه منزلة عظيمة وفضل كبير للصيام والصائمين، ولذلك فإن أجر الصوم عظيم فقد تكفَّل الله تعالى به، ويأتي رمضان كفرصة إيمانية عظيمة لتجديد الإيمان والتقوى من خلال الصوم الذي جعل الله فيه كثيرًا من المنافع للإنسان، من أعظمها تحقيق التقوى والوصول إليها، ومن فوائده التعود على الصبر، والشعور بالفقراء والمساكين الذين يتعرضون للجوع، ومن فوائد الصوم كذلك أن به تجديدًا لأجهزة الجسم واستعادة لصحة الأعضاء.

وبهذا فإن كل ما سبق يؤكد أن شهر رمضان المبارك أهلٌ لكل فضيلة وموطنٌ لكل خير، وإذا أردنا أن نُعدد فضائله ومناقبه فإننا نحتاج إلى الكثير والكثير، لكن حسبنا أن نؤكد أنه أفضل الشهور على الإطلاق للفضائل التي اجتمعت فيه.

العبادات في شهر رمضان

تبيَّن مما سبق أن شهر رمضان المبارك هو شهر العبادات، ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد فرض فيه أُمَّهات العبادات من الصلاة والصوم وقراءة القرآن، ولا شك أن أفضل العبادات التي تؤدى في هذا الشهر تلك المفروضة كالصلاة والصوم، ومن أفضل العبادات التي يجب على المسلم اغتنامها في هذا الشهر هي:

قراءة القرآن

فمن المعلوم أن شهر رمضان هو شهر القرآن، ولذلك فإن السلف الصالح كانوا يغتنمون فيه قراءة القرآن، وقد نقل عن بعضهم أنه كان يختم القرآن سِتِّين ختمة في رمضان، وهذا يعني أنهم كانوا يشغلون أنفسهم من أجل أن يفوزوا بهذا الثواب.

الدعاء والأذكار

ذَكر الله تعالى فضل الدعاء مباشرة بعد الحديث عن شهر رمضان فقال عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة: 186، ومن أفضل أوقات استجابة الدعاء في رمضان هي عند الإفطار، إذ أن دعوة الصائم مستجابة بإذن الله.

الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار يمكن أن يكون بعدة أدعية وأذكار مثل دعاء الرزق أو دعاء الشفاء أو دعاء للمريض بالشفاء أو دعاء للميت والمتوفي وغيرها من أدعية وأذكار الصباح وأذكار المساء وأية أدعية أخرى قد يدعوا بها الصائم ربه لتكون مستجابة بإذنه تعالى.

قيام الليل

إن الله تعالى قد سنَّ فيه صلاة التراويح وهي من أفضل القربات والأعمال فيه، فقيام الليل في شهر رمضان هو أداء صلاة التراويح، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قَالَ: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”. رواه البخاري ومسلم. ويقصد بالقيام؛ القيام لأداء الصلاة، وقيامُ شهر رمضان هو صلاة التَّراويح.

الاعتكاف في المسجد

الإعتكاف في المسجد له فضل عظيم، وكما جاء في شرح الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله عندما سأله أحد الحاضرين عن الإعتكاف في المسجد في شهر رمضان.

فردَّ بقوله: “الاعتكاف لا يختص برمضان، لكن يختص بالمساجد، وفي رمضان أفضل، والنبي اعتكف في رمضان، واعتكف في شوال والاعتكاف في العشر الأخيرة أفضل، وشروطه أن يكون في المسجد، وأن يكون المعتكف ليس بجنب ولا حائض ولا نفساء، ولا يكون اعتكافه يمنعه من أداء ما أوجب الله عليه، فإذا كان في مسجد لا يصلى فيه جماعة لا يعتكف، يعتكف في المساجد التي فيها جماعة حتى يصلي مع الجماعة”.

قيام ليلة القدر

من فضل هذا الشهر أن به ليلة القدر، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ). القدر:1-5.

وقد وضَّحت هذه الآيات أن ليلة القدر وهي ليلة واحدة تعدل عبادة ألف شهر، وهذا إن دل فإنما يدل على فضائل شهر رمضان، وأن أيامه ولياليه فيها من الفضل الكثير. وكذلك بيَّنَت السنة النبوية فضل قيام ليلة القدر فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ : “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”. (أخرجه البخاري ومسلم).

العمرة في شهر رمضان

يمكن للمسلم أن يعتمر في أي وقت وكلما تيسَّر له ذلك، ولكن العمرة في شهر رمضان المبارك لها أجر وثواب عظيم، فهي تضاعف الأجر والثواب، لأنها عبادة أخرى تضاف إلى الصيام. عنِ ابنِ عباسٍ، رضي اللَّه عنهُما، أنَّ النَّبيَّ قَالَ: “عُمرَةٌ في رمَضَانَ تَعدِلُ حجة أَوْ حَجَّةً مَعِي”. متفقٌ عليهِ.

الزكاة

زكاة الفطر في شهر رمضان واجبة على كل مسلم ومسلمة قادرين عليها وهي طُهرة للصائم من أي تقصير أو لغو أو أخطاء قد يكون وقع فيها أثناء صومه. وهي زكاة تعطى للفقراء والمساكين قبل صلاة عيد الفطر أو قبلها بيوم أو يومين وتعطى على شكل طعام وبمقدار محدد.

الصدقة في شهر رمضان

شأن الصدقة عظيم عند الله سبحانه وتعالى لا سيما لمن تصدَّق بها في شهر الخيرات لأن أجرها يكون مضاعفاً، كما جاء في حديث الرسول ، عنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا”. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

فيفترض أن يقتدي كل مسلم ومسلمة بسيدنا محمد ويجتهد في إعطاء الصدقات للفقراء والمحتاجين وان يجود بالعطاء على كل من حوله من الجيران وذوي القربى والرحم وأن يساهم في كل عمل خيري مع باقي إخوته من المسلمين وذلك حسب قدرته وطاقته وأن لا يُكلِّف نفسه إلَّا وسعها.

صلة الرحم

صلة الرحم لها فضل عظيم فهي موسعة للرزق وتطيل في العمر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

فهي واجبة علينا سواء في شهر رمضان أو في غيره من سائر الأيام، ففي هذا الشهر تكون النفوس أقرب إلى الله وفيها فرصة للتواصل مع الأقارب والإطمئنان عليهم وإصلاح أي قطيعة سابقة، وأجرها مضاعف بإذن الله وليكون الصيام كاملاً خالصاً لله تعالى.

ترك المعاصي

قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله، رداً على سؤال أحد الحاضرين عن ترك المعاصي في شهر رمضان.

بقوله: “المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسًا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلًا والمكان فاضلًا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثمًا من السيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابًا عند الله من طاعة في غيره”.

وجملة القول أن شهر رمضان المبارك به الكثير من الفضائل وأن العاقل هو الذي يغتنمه ويتقرَّب فيه إلى الله تعالى بالصالحات لعلَّه سبحانه وتعالى يتقبَّل منه ويكتبه من الفائزين ومن أهل جنة النعيم.

قد يعجبك أيضاً
أكتب تعليق