كيف كان تعامل عمر بن الخطاب مع أهل بيت المقدس

صورة مقال كيف كان تعامل عمر بن الخطاب مع أهل بيت المقدس

كيف كان تعامل عمر بن الخطاب مع أهل بيت المقدس

تعامَل عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- على مبدأ أن يبقى كل مَن هو مِن غير المسلمين على دينه، بشرطِ أن يدفع للدّولة الجِزية، وفي المقابل تقوم الدولة بتأمين الحماية لهم، واحترام ما يتعلّق بدينهم من الشّعائر والمعابد وغيرها،[١] وكان هذا نهجه -رضيَ الله عنه- في التّعاملِ مع أهل بيت المقدس،[٢] وفيما يأتي بيان تعامله -رضي الله عنه- مع أهل بيت المقدس لمّا فتحها:

  • إعطاء النّاس الأمان وحمايتهم: وقد فُتِح بيت المقدس صلحاً دون قتال، وكتب -رضي الله عنه- لأهلها حين دخلها: "إنّي قد أمّنتكم على دمائكم وأموالكم وذراريكم وصلاتكم وبيعكم، ولا تكلفوا فوق طاقتكم، ومن أراد منكم أن يلحق لأمنه فله الأمان، وأنَّ عليكم الخراج كما على مدائن فلسطين"،[٣] وأعطى الأمان للبطريرك صفرونيوس ولجميع رعايا الكنيسة والعاملين فيها من الرهبان والراهبات والقساوسة، وشمل هذا العهد الأماكن التي يرتادونها من الكنائس والمغارات.[٤]
وفُتح بيت المقدس بطريقة سلميّة بالصلح دون أن يكون هناك أيّ قتال، وتسلّم عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- مفاتيحه،[٥] حيث دخل الجيش برفقة الخليفة والقادة حاملين سيوفهم في أغمادها خوفاً من أن يغدرهم أهل المدينة.[٦] وقد كان هذا الفتح في شهر ربيع الأول من السنةِ السادسة عشر من الهجرة.[٧]
  • المحافظة على مقدّساتهم الدينية: حيث كان أوّل عملٍ قام به عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- بعد وصوله إلى بيت المقدس هو زيارة كنيسة القيامة،[٨] ولمّا حان وقت الصّلاة أَبى عمر -رضيَ الله عنه- أن يُصلّي في كنيسةِ القيامة؛ خوفاً من أن يظنّ المسلمون أنّها من حقّهم،[٩][١٠][١١] وحرصاً منه على المحافظة على المقدّسات المسيحيّة؛ تنحّى جانباً من الكنيسة، عند درج كنيسة القدّيس قسطنطين، وهو ما يُعرف الآن بالمسجد العمري،[١٢][١٣] وصلّى بالمسلمين هناك.[١٤]
وبعد أن صلّى بالمسلمين استشار كعب في مكان وضع المُصلّى، فأشار عليه بوضعه ناحية الصخرة،[٧] وقام -رضيَ الله عنه- بتنظيفِ الصّخرة وإزالة الأوساخ عنها،[١٥] فلمّا رآه النَّاس يُنظّف المكان، تبعوه وبدأوا بالتّنظيف معه، وبنوا هنالك المسجد،[١٦] أمام الصخرة، في الموضعِ الذي صلّى به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إماماً بالأنبياءِ ليلة الإسراء والمعراج.[١٧]
  • المحافظة على أموالهم وحقوقهم: فقد ظهر حرصه -رضيَ الله عنه- على أموالِ النّصارى عندما علم أنّ المسلمين قد أخذوا بستاناً للعنب كان ملكاً للرّوم، ولمّا رأى أنّ المسلمون قد أكلوا من ثمارِه؛ أحضر صاحب البُستان وطلب منه أن يقدّر ثمن البستان ودفعه إليه، فما كان منه إلّا أن دخل في الإسلام.[١٨]
  • تنظيم كافّة الأمور بمختلف النواحي: حيث بدأ عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- بتنظيمِ أوضاع المدينة من مختلف النواحي الاقتصادية، والسياسية، والإدارية، والعمرانيّة، وقام بتوسيعها، واتّخذ كافة الإجراءات اللّازمة، ووَضع القوانين المناسبة وألزم الناس بها، وقسّم المدينة وعيّن أميراً على كلِّ قسم منها، ونظّم البريد من أجلِ سهولة التواصل بين هذه الأقسام، واتّخذ الشرطة، وعيّن قاضياً للفصلِ بين النَّاس والتفاعل مع شكاويهم، وأنشأ البلديّة من أجل مراقبة الأسواق ومَنع الغشّ والتّطفيف في المكيالِ والميزان، كما اعتنى بالنّظافة العامّة للشّوارعِ، وحثّ الناس على التّجارة لإنعاش اقتصاد المدينة، واتّخذ التاريخ الهجري تاريخاً رسمياً.[١٩]


عهدة عمر بن الخطاب لأهل القدس

أقرّت العُهدة العمريّة الأمان لأهلِ القدس على أنفسِهم وممتلكاتِهم ومعابدهم ومقدّساتِهم، وأعطتهم الحريّة في البقاءِ على دينهم؛ بشرط دفع الجِزية كما يدفعها أهل المدائن الأخرى، وأن لا يبقى بإيلياء أحدٌ من الرّوم أو اللُّصوص،[٢٠][٢١] ولكلٍّ منهم الحرّية في الخروج مع الروم أو البقاء في الدّاخل، وكذلك الفلّاحين منهم عليهم الجزية أيضاً، ويدفعونها بعد الحصاد،[٢٢] وما زالت العُهدة العمريّة موجودة ومحفوظة في القدس إلى وقتنا الحاضر،[٢١][٢٢] وذلك بحسب ما قاله المجاهد عبد الله التل،[٢٢] واستمرّ العمل بما تضمّنته الوثيقة من قِبل كل من حَكم بيت المقدس، حتّى حين تعرّض المسلمون للحكمِ الصليبيّ،[٢٠] ويتبيّن من خلال ما ورد في العُهدة العمريّة مدى التسامح الديني الذي ناله النّصارى في ذاك الوقت، حيث لم يروا مثله على مدى التاريخ.[٢٣]


ما يستفاد من العهدة العمرية

يُستفاد من العُهدة العُمريّة العديد من الأمور، منها ما يأتي:

  • ارتكزت العُهدة العُمريّة وقامت على أُسسٍ من القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشّريفة، وهذا يرتبط ببيت المقدس، ولم يكن ارتكازها فقط على العلاقات الدّوليّة العامّة في الشّريعة الإسلاميّة.[٢٤]
  • دلَّت العُهدة العُمريّة على مدى التّفاهم مع الدِّيانات الأخرى، ومكانة القدس في الإسلام.[٢٤]
  • أخذت العُهدة العُمريّة طابعاً رسمياً، كونها صادرة من أمير المؤمنين، فكانت مُلزَمة لجميع الرّعايا بجميع ما تضمّنته من البنودِ والقرارات.
  • تمّ امتلاك القدس من قِبل الدّولة الإسلاميّة والتي تُعتبر إرثاً للمسلمين، فقد ذُكرت في القرآن الكريم، وصلّى بها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بجميع الأنبياء.
  • جاءت البُشرى من الله -عزّ وجلّ- لنبيّه محمد في القرآن الكريم بفتحِ بيت المقدس، فقال -تعالى-: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ).
  • حرصَ عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- من خلال بنود العُهدة على تحقيق العدل بين أفراد المجتمع، من خلال بيان الحقوق والواجبات، حتى يَنعم النّاس بالأمان والاستقرار، دون وقوع المشاكل بين أطراف المعاهدة.
  • تُصنّف هذه العُهدة بأنَّها ذات شفافية، لا مكان فيها للتحيّز إلى أي فئة على حساب الأخرى، ولا سُلطة فيها للقويِّ على الضعيفِ، ولصاحب السُّلطة على مَن دونه، فقد نهجت مبادئ الإسلام وتعالميه في نشرِ الإسلام بين الناس وبيان سماحته.
  • نصّت العُهدة على مجموعة من التّعاليم الّتي تتعلّق بالنّصارى، من حيث ممتلكاتِهم ومعتقادتهم، ممَّا يدل بصورة واضحة على مدى اهتمام عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- بهم وبإعطائهم حقوقهم، كما يدلّ على اهتمامِ الإسلام بتحقيق العدل.


المراجع

  1. ميخائيل اسكندر (1972)، القدس عبر التاريخ، الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية، صفحة 50. بتصرّف.
  2. عمر الخطيب (2004)، لمحات في الثقافة الإسلامية (الطبعة الخامسة عشر)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 278. بتصرّف.
  3. ابن الجوزي (1980)، فضائل القدس (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الآفاق الجديدة، صفحة 123. بتصرّف.
  4. محمد طقوش (2004)، تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية (الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس، صفحة 277. بتصرّف.
  5. سعد المرصفي (2009)، الجامع الصحيح للسيرة النبوية (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة ابن كثير، صفحة 1752، جزء 4. بتصرّف.
  6. شفيق محمود (1404)، الفتح العمري للقدس نموذج للدعوة بالعمل والقدوة المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 192. بتصرّف.
  7. ^ أ ب شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي (1984)، إتحاف الأخِصّا بفَضَائل المسجد الأقصى، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 240، جزء 1. بتصرّف.
  8. عارف العارف، تاريخ القدس، مصر: دار المعارف، صفحة 48. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 92، جزء 1. بتصرّف.
  10. محمد طقوش (2013)، تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية (الطبعة الأولى)، عمّان: دار النفائس، صفحة 279. بتصرّف.
  11. شفيق جاسر محمود (1404)، الفتح العمري للقدس نموذج للدعوة بالعمل والقدوة المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 192. بتصرّف.
  12. ميخائيل إسكندر (1972)، القدس عبر التاريخ، الاسكندرية: مكتبة الاسكندرية، صفحة 46. بتصرّف.
  13. محمد البار، القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ (الطبعة الثانية)، صفحة 151. بتصرّف.
  14. أحمد العسيري (1996)، موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام (تاريخ ما قبل الإسلام) إلى عصرنا الحاضر (الطبعة الأولى)، صفحة 111. بتصرّف.
  15. إسماعيل بن كثير (2003)، البداية والنهاية (الطبعة الأولى)، دار هجر، صفحة 662، جزء 9. بتصرّف.
  16. عارف العارف، تاريخ القدس، مصر: دار المعارف، صفحة 48-49. بتصرّف.
  17. إسماعيل بن كثير (1968)، قصص الأنبياء (الطبعة الأولى)، القاهرة: مطبعة دار التأليف، صفحة 460، جزء 2. بتصرّف.
  18. شفيق محمود (1404)، الفتح العمري للقدس نموذج للدعوة بالعمل والقدوة المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 191. بتصرّف.
  19. ميخائيل اسكندر (1972)، القدس عبر التاريخ، الاسكندرية: مكتبة الاسكندرية، صفحة 49-50. بتصرّف.
  20. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، صفحة 90، جزء 13. بتصرّف.
  21. ^ أ ب سعد المرصفي (2009)، الجامع الصحيح للسيرة النبوية (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة ابن كثير، صفحة 1753-1754، جزء 4. بتصرّف.
  22. ^ أ ب ت محمد البار (2013)، القدس والمسجد الأقصى عبر التاريخ، (الطبعة الثانية)، دار الفقيه، صفحة 151-152. بتصرّف.
  23. محمد طقوش (2003)، تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية (الطبعة الأولى)، عمّان: دار النفائس، صفحة 278. بتصرّف.
  24. ^ أ ب "العهدة العمرية "، www.islamstory.com، 14-2-2015، اطّلع عليه بتاريخ 23-2-2021. بتصرّف.
للأعلى للأسفل