-A +A
عن الرأي الشرعي في (زواج المسيار) قال الدكتور الشويعر :
نكاح المسيار يُقال فيه ما يُقال في الأمثلة السابقة من حيث الاشتراك اللفظي. فإننا عندما نتحدث عن زواج المسيار فإنه يتبادر إلى الذهن صُورٌ متعددة لـه حتى إنه أحياناً يحوي المجلس الواحد أكثر من شخص يتصور كل واحد منهم صورة مختلفة تماماً عن الآخر، تصل أحياناً لأن تكون هذه التصورات عن هذا الزواج متضادة.

وهذا هو سبب تضاد فتاوى بعض أهل العلم بخصوص (زواج المسيار) لأنهم يفتون بحسب الوارد لهم، وما يتبادر إلى تصورهم .
لذلك لا بد عند الجواب عن حكم زواج المسيار مِن النظر إلى ما الذي في ذهن السائل أو المتلقي لأن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره). فهذه اللفظة (زواج المسيار) من الألفاظ المشتركة التي تصدق على أكثر من معنى.
وعلى ذلك فسأبين الصورة التي أريد الحديث عن حكمها، فإن خالفت الصورة التي في ذهن القارئ الكريم، فلا يعمم هذا الحكم عليها، بل الواجب عليه الرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم عن ذلك.
فأقول: إن الأصل في النكاح أنه يجب أن يكون برضاها، و رضا وليها، وبحضور شاهدي عدل، وأن يعلن -ومن الإعلان تسجيله في الدوائر الرسمية كما تقدم-، وأن لا يكون مؤقتاً لا نصاً في العقد، ولا عرفاً. ومن آثار هذا العقد أنه يجب فيه على الزوج لزوجته القسم والمبيت ولو ليلة كل أربع ليال إن كان مُعدِّدَاً، ويجب لها ولأبنائها منه النفقة بالمعروف، ومن النفقة الواجبة شرعاً توفير المسكن المناسب.
هذا هو النكاح الشرعي الذي لاشك في جوازه لكن إذا اتفق الرجل مع امرأته برضاها في إسقاط حقها من القسم، مع توفر جميع الأمور السابقة فأصبح لا يأتيها إلا في بعض الأوقات، أو في النهار فقط، أو نحو ذلك. فهذا هو زواج المسيار الذي أنوي الحديث عنه . إذن المقصود بزواج المسيار معنا هنا أن يكون مستوفياً لكامل الشروط غير أن المرأة برضاها بعد العقد رضت بإسقاط حقها من القسم، وأعني بالقسم هو أن يقسم لها مثل ما يقسم للزوجات الأخريات من المبيت عندها في بيتها ونحو ذلك.
فهذا الفعل إن كان برضاها فلا حرج فيه; لأن القسم والمبيت من حقِّ الزوجة، فإن رضيت بإسقاطهما -من غير إكراه عليها- جاز لها ذلك؛ لأن الحقَّ لا يعدوها، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين أن سودة رضي الله عنها وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي عائشة ليلتين). كما أن هذا العمل كان معروفاً عن الصَّحابة (ومن بعدهم، وقد عقد سعيد بن منصور في (سننه) باباً في (زواج النهاريات)؛ أي اللاتي يقسم لهن أزواجُهن في النهار دون الليل. وذلك أن الليل هو عماد القسم.
لكن لا بد هنا من التنبيه على أمور مهمة:
أحدها: أن هذا الحكم مشروط برضا الزوجة وموافقتها عليه؛ لأنه حق لها لا يجوز للزوج هضمها إياه. فإذا أجبر الزوج المرأة على إسقاط حقِّها من القسم أو المبيت فإنه يكون ظالماً لها لأنه لم يوفها حقّها.
الأمر الثاني: أن هذا الأمر لا يجوز اشتراطه في عقد النكاح، فإن وُجد في العقد اشتراط أن المرأة ليس لها ليلة، أو ليس لها نفقة. فإن هذه الشروط ليست صحيحة بل تكون باطلة والعقد صحيح.
وإنما يجوز للمرأة أن تسقطها بعد العقد.
الأمر الثالث: أن للمرأة الحق شرعاً أن تعود فيما قالته، فلو رضيت بإسقاط ليلتها مثلاً لظرفٍ ما ككون أحد والديها مريضا، ثم أرادت بعد ذلك أن ترجع جاز لها ذلك، ووجب على الزوج العدل بين الزوجات في ذلك.
الأمر الرابع: أن بعض أهل العلم قد يحكم بحرمة هذا العقد لما يصاحبه من سوء التصرف والظلم للمرأة في كثير من صوره، فقد يكون الزواج سرياً غير مُشهد عليه، أو تصاحبه نية الطلاق، أو غير ذلك من الأمور. لذا نجد للأسف أن كثيراً من الناس عندما يتحدثون عن زواج المسيار فإنما يتحدثون عن صورةٍ غير الصورة التي ذكرتها في مقدمة حديثي، ولا يمكن بحال أن تكون جائزة.
لذا نجد أن سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله (مفتي عام المملكة السابق) أفتى بأن زواج المسيار حرامٌ لأن فهمَ كثير من الناس له فهمٌ غير شرعي [ينظر مجموع فتاوى ابن باز 20/438] .