هل سماع الأغاني حرام

صورة مقال هل سماع الأغاني حرام

هل سماع الأغاني حرام

لا شكَّ بأنَّ الغناء وسماعه من اللَّهوِ الذي تميل إليه القلوب وتترنَّم به الآذان، إلَّا أنَّ أنواعه متعدِّدةٌ فمنها ما اتَّفق العلماء على تحريمها، ومنها ما اتَّفقوا على إباحتها، ومنها ما اختلفوا في حكمها،[١] وبيان ذلك فيما يأتي:[٢][٣]

  • الغناء المتَّفق على إباحته: اتَّفق العلماء على إباحة الغناء الذي يكون من الإنسان لنفسه، وغناء المرأة لزوجها، والغناء المعتاد بين النِّساء في الأعراس والأعياد، وهناك العديد من الأحاديث النَّبويَّة التي تدلُّ على إباحة ذلك منها ما يأتي:[١]
    • ما ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (أنَّها زَفَّتِ امْرَأَةً إلى رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ، فقالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عائِشَةُ، ما كانَ معكُمْ لَهْوٌ؟ فإنَّ الأنْصارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ).[٤]
    • ما ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (زوَّجَت عائشةُ ذاتَ قرابةٍ لَها من الأنصارِ، فجاءَ رسولُ اللَّهِ فقالَ: أَهْدَيتُمْ الفتاةَ ؟ قالوا : نعَم . قالَ : أرسلتُمْ معَها مَن يغنِّي ؟ قالَت: لا، فقالَ رسولُ اللَّهِ إنَّ الأنصارَ قومٌ فيهم غَزَلٌ، فلَو بعثتُمْ معَها من يقولُ: آتيناكم آتيناكم فحيَّانا وحيَّاكُم).[٥]
    • ما ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، دَخَلَ عَلَيْهَا، وعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ في أيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ، وتُدَفِّفَانِ، وتَضْرِبَانِ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَغَشٍّ بثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُما أبو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن وجْهِهِ، فَقالَ: دَعْهُما يا أبَا بَكْرٍ، فإنَّهَا أيَّامُ عِيدٍ).[٦]
  • الغناء المختلف في حكمه: تعدَّدت آراء العلماء في حكم الغناء من الرَّجل دون آلةٍ مطربةٍ وأنَّ كلامه في الغناء حسنٌ لا فُحش فيه، بل يهدف للفضيلة والخير وذلك كما يأتي:[٢]
    • الحنفيَّة والحنابلة: قالوا بتحريم الغناء من الرَّجل وإن كان كلامه حسن لا فحش فيه.
    • المالكيَّة وبعض من الحنفيَّة والحنابلة: قالوا بإباحة الغناء من الرَّجل إن كان كلامه حسن لا فحش فيه، وذلك كالشِّعر والحِداء النَّافع فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يأمر حسان بن ثابت -رضي الله عنه- بالشِّعر.[٢][٣]
    • الشَّافعيَّة: قالوا بكراهة الغناء من الرَّجل وإن كان كلامه حسن لا فحش فيه.[٢]
  • الغناء المتفق على تحريمه: اتَّفق العلماء على تحريم عدَّة أنواعٍ من الغناء وهي كما يأتي:
    • الغناء المشتمل على الآلات الموسيقيَّة: وذلك عند من قال بحرمة الآلات الموسيقية كالعود، والطَّبل، والمزمار، والرَّباب، والنايات، ونحو ذلك، ويُستثنى ممَّا سبق الدَّف بحيث يجوز الاستماع للغناء الذي يُصاحبه الضَّرب على الدَّف بشرطين: أوَّلهما أن يكون كلام الغناء حسن لا فُحش فيه، وأن لا يُحرِّك الغرائز ويَعبث بها، ثانيهما أن يكون الغناء للنِّساء في الأعياد والأعراس.
    • غناء المرأة للرِّجال: لا شكَّ في حرمة غناء المرأة للرِّجال، فالإسلام قد منعها من الأذان فكان من باب أولى منعها من الغناء أمام الرجال؛ لما فيه من تَقصُّد ليونة الصَّوت وترقيقه.[٣]
    • الغناء بكلامٍ منكرٍ: يحرَّم الغناء إن كان كلامه منكراً، وقبيحاً، ولا يهدف إلَّا للرَّذيلة وإشاعتها، والعبث بالغرائز، ووصف النِّساء والخمور ونحو ذلك.[٣]


ضوابط إباحة سماع الغناء

هناك عدّة ضوابط لإباحة سماع الأغاني وهي كما يأتي:[٧]

  • موافقة موضوع الغناء لآداب الإسلام وتعاليمه: فإن افتقر الغناء لذلك كأن يُمجّد الخمر وشربه حرم ذات الغناء والاستماع إليه.
  • الاتزان والانضباط في طريقة أداء الغناء: فإن كان في أداء المغني تميع وتكسّر حرم ذات الغناء والاستماع إليه، وإن كان موضوعه موافقا لآداب الإسلام.
  • الاعتدال في السماع ومجانبة الغلوّ والإسراف فيه: حيث أنّ الإسلام منع من الإسراف في كل شيء، وحارب ذلك فمن باب أولى منعه للإسراف في اللهو.
  • ألا يشتمل الغناء على محرم في الإسلام ومنهي عنه: كالخمر والآلات الموسيقية والاختلاط بين الرجال والنساء،[٨][٩] حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَيَشْرَبَنَّ أناسٌ من أمتي الخمرَ ، يُسَمُّونَها بغيرِ اسمِها، ويُضْرَبُ على رؤوسِهم بالمعازِفِ والقَيْنات، يَخْسِفُ اللهُ بهم الأرْضَ، ويَجْعَلُ منهم قردةً وخنازيرً).[١٠][٧]
  • حسن كلام الغناء: يحسن الغناء بحسن كلامه ويقبح بقبحه فإن خلا الكلام من الدعوة للمنكر والشر والشهوة حسُن وإلّا فإنّه يقبُح،[١١] لذا فإنّ حسن كلام الغناء يتحقق بأمرين: أوّلهما أن لا يكون كلام الغناء مثيرا للغرائز ومُهيّجا لها، وداعيا للفاحشة والإغراء بها؛ لِما قد يؤدي ذلك من الوقوع في الفتنة والشهوات،[١٢][١٣] حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وَالأُذُنَانِ زِنَاهُما الاسْتِمَاعُ).[١٤] وثانيهما ألا يكون كلام الغناء ممّا اشتهر من كلام أهل الفسق والمجون والمعاصي؛ لأنّه سيكون بذلك من الشعر القبيح الذي قال عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِن أنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا).[١٥][١٦]


مثال الغناء الحلال

هناك العديد من الأمثلة على الغناء الحلال، نورد منها ما يأتي:[١١][١٧]

  • الغناء في أيَّام العيد فرحاً وسروراً: وقد دلَّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي أُشير إليه مسبقاً: (فَقالَ: دَعْهُما يا أبَا بَكْرٍ، فإنَّهَا أيَّامُ عِيدٍ).[٦]
  • الغناء في الأعراس إشهاراً وإعلانا لها: وقد دلَّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (فصلٌ ما بينَ الحلالِ والحرامِ، ضرْبُ الدُّفِّ والصوتُ في النكاحِ).[١٨]
  • الغناء وقت العمل: بغية بعث النَّشاط والهمَّة في النَّفس، وتخفيف المشقَّة والتعب عنها، وقد دلَّ على ذلك ما ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّه قال: (خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، في غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، والمُهَاجِرُونَ والأنْصَارُ يَحْفِرُونَ الخَنْدَقَ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّ الخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ والمُهَاجِرَهْ، فأجَابُوا: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا... علَى الجِهَادِ ما بَقِينَا أبَدًا).[١٩][١١][٢٠]
  • غناء الأم لأطفالها: بغية التَّرويح عنهم وتسليتهم.[١١]
  • الغناء المشتمل على توحيد الله -تعالى- ومحبَّته: ومحبَّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ووصف محاسن الإسلام وتعاليمه، والحثِّ على الجهاد والتَّرغيب به، والتّّحلِّي بمكارم الأخلاق.[١٧]


المراجع

  1. ^ أ ب يوسف القرضاوي (1418ه - 1997م)، الحلال والحرام في الاسلام (الطبعة الثانية والعشرون)، القاهرة: مكتبة وهبة، صفحة 261-262. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2664، جزء 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث أبو فيصل البدراني، حكم الغناء والمعازف وآلات الملاهي والمؤثرات الصوتية، صفحة 16. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5162 ، صحيح.
  5. رواه الألباني، في غاية المرام، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 398 ، حسن.
  6. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3529 ، صحيح.
  7. ^ أ ب يوسف القرضاوي (1418ه - 1997م)، الحلال والحرام في الاسلام (الطبعة الثانية والعشرون)، القاهرة: مكتبة وهبة، صفحة 264-265. بتصرّف.
  8. المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (الطبعة الثانية)، بيروت: دار احياء التراث العربي، صفحة 51، جزء 12. بتصرّف.
  9. محمد المشتولي، سلوة الأحزان للاجتناب عن مجالسة الأحداث والنسوان، صفحة 33. بتصرّف.
  10. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 7687 ، صحيح.
  11. ^ أ ب ت ث سيد سابق (1397هـ - 1977م)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 56-57، جزء 3. بتصرّف.
  12. ابن رجب الحنبلي (1417هـ - 1996م )، فتح الباري شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: مكتبة الغرباء، صفحة 435، جزء 8. بتصرّف.
  13. عبد الرحيم السلمي، شرح الحموية، صفحة 13، جزء 4. بتصرّف.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2657 ، صحيح.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6155 ، صحيح.
  16. عبد الرحيم السلمي، شرح القصيدة اللامية لابن تيمية، صفحة 27، جزء 5. بتصرّف.
  17. ^ أ ب محمد زينو (1418هـ )، توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، صفحة 154-155. بتصرّف.
  18. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن محمد بن حاطب، الصفحة أو الرقم: 4206 ، حسن.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7201 ، صحيح.
  20. وهبة الزحيلي (1418ه)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفكر، صفحة 135، جزء 21. بتصرّف.
للأعلى للأسفل