للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)]

والحلم خلق من الأخلاق التي يجعلها الله عز وجل في قلب من يشاء من خلقه، وهو خلق عظيم من الأخلاق الكريمة التي يحبها الله سبحانه، وهو صفة من صفات رب العالمين، فهو الحليم سبحانه، وقد اجتمع له الكمال والجلال والجمال فيه.

وقد أمر عباده أن يتصفوا بهذه الصفة ويتخلقوا بها، فجاء في القرآن قول الله سبحانه وتعالى مادحاً المؤمنين الذين هم على هذه الصفات بأنه يحبهم، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٤].

أي: سارعوا إلى الجنة، التي يدخلها من اتصف بهذه الصفات العظيمة، فهذه الجنات أعدت للمتقين، وهم الذين ينفقون.

فأهل التقوى يتقون غضب الله، ويتقون عذابه بالإنفاق، فهم مخلصون مؤمنون، فيتصدقون وينفقون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن صدقة السر تطفئ غضب الرب).

فمن صفات هؤلاء المتقين: أنهم يدرءون عن أنفسهم ويتقون غضب الله بأخلاقهم الحسنة، وبإنفاقهم في سبيل الله سبحانه.

وقد بدأ سبحانه بصفة البذل، فقال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ} [آل عمران:١٣٤]، وليس في وقت الرخاء فقط، ولكن في السراء والضراء، فيجازيهم ربنا سبحانه ويعطيهم، فيسرهم بذلك، فيفرحون.

قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤]، وكظم الغيظ هي: صفة الحلم، فهم أهل حلم، والحلم يأتي من علم الإنسان بربه سبحانه، ومن علمه بنفسه وبمن يحلم عنه.

فهم كاظمون للغيظ، وكظم غيظه: كتم غيظه على غيظ، أي: وهو مغتاظ، فهو إنسان عنده إحساس وشعور، فيحدث في قلبه غيظ وشيء من الاندفاع، ولكنه سرعان ما يطفئه ويكظمه، ويداري ذلك بحلمه وأدبه.

فهم كاظمون لغيظهم، وهم عافون عن الناس.

قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤].

وأما معنى الحلم فقالوا: حد الحلم: ضبط النفس عن هيجان الغضب.

فالإنسان بداخله شهوة الغضب وشهوة الانتقام، وكل إنسان بداخله ذلك، والذي لا يغضب ليس إنساناً، فلا يوجد إنسان لا يغضب.

وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تغضب).

وكيف لا يغضب الإنسان؟ وقد كان هو نفسه صلى الله عليه وسلم يغضب؟ فمعنى الحديث: لا تتعاط أسباب الغضب، ولا تضع لنفسك في المواطن التي بسببها تغضب لنفسك، وتتهور على خصمك، وليكن غضبك لله سبحانه وتعالى.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لله سبحانه، وكان ينتقم ويقيم الحد غضباً لله سبحانه وليس لنفسه.

وأما في نفسه فكان يعفو ويصفح، صلوات الله وسلامه عليه.

قال سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤].

وقد يكظم الإنسان غيظه في داخله، ولكنه ينتظر أن ينتقم من خصمه، وقد لا ينتقم ويسكت، ولكنه ينتظر الشماتة فيه، فربنا أعقب ذلك بصفة أخرى، وهي العفو، فإذا كظمت غيظك فأكمل ذلك بالعفو عمن ظلمك.

قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤].

فإذا فعلت ذلك فأنت من المحسنين، فقد أحسنت إلى غيرك، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤].

إذاً: فهم المتقون، وهم المحسنون، وهم المحبوبون لرب العالمين سبحانه.

فليتذكر الإنسان ذلك، وكل إنسان يحب أن يكون محبوباً لرب العالمين سبحانه، والله يحب المحسنين، فلنحسن، ولننفق في السراء والضراء، ولنكتم غيظنا وغضبنا، ولنعف عن الناس، فالله عفو يحب العفو.