الإحسان إلى الزوجة.. خلق إسلامي

«ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم»
02:15 صباحا
قراءة 7 دقائق
لم تحط المرأة بقدر من المشاعر الإنسانية الفياضة، والرعاية الاجتماعية والاقتصادية الكاملة في بيت زوجها كما أحاطها الإسلام، فالزوجة - في نظر هذا الدين العظيم - شريكة حياته، ومصدر عفته، وسكنه النفسي، وحافظة أسراره، ومن تعينه على متاعب الحياة وهمومها.. ولذلك يجب أن يعاملها معاملة كريمة وأن يبر بها ويحسن إليها، ويعمل بوصية الخالق بها في قوله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا».
والقرآن الكريم بهذه الآية يوفر للزوجة كل وسائل البر والرعاية في بيت زوجها، فالمعنى الذي ترشدنا إليه كما يقول المفسرون: وصاحبوهن وعاملوهن بالمعروف، أي بما حض عليه الشرع وارتضاه العقل من الأفعال الحميدة، والأقوال الحسنة.
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: قوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، فكما تحب ذلك منها، افعل أنت مثله.. كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وكان من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهن، ويضاحك نساءه. حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - متودداً إليها بذلك.
قالت عائشة: «سابقني رسول الله فسبقته؛ وذلك قبل أن أحمل اللحم. ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني. فقال: هذه بتلك». وكان -صلى الله عليه وسلم- يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها.
وكان -صلوات الله وسلامه عليه- إذا صلى العشاء يدخل منزله فيسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهن بذلك. والمسلم - كما يقول د. حذيفة المسير الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر- مطالب بأن يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع زوجته، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً».
ويضيف: أكد الإمام الغزالي في كتابه «الإحياء» عند حديثه عن آداب معاشرة النساء، أن «من آداب المعاشرة حسن الخلق معهن، واحتمال الأذى منهن» ثم قال: «واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عن طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أزواجه يراجعنه الكلام.. ومن آداب المعاشرة - أيضاً- أن يزيد على احتمال الأذى منها بالمداعبة والمزح والملاعبة، فهي التي تطيب قلوب النساء. وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال».
وقال عمر - رضي الله عنه - «ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي. فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلاً».. وكان ابن عباس- رضى الله عنهما- يقول: «إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي».
حكم عظيمة

والآية الكريمة «وعاشروهن بالمعروف...» توضح لنا أنه لا يصح للرجال أن يسترسلوا في كراهية النساء إن عرضت لهم أسباب الكراهية؛ بل عليهم أن يغلبوا النظر إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكاره فالله تعالى يقول: « فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا».. أي: فإن كرهتم صحبتهن وإمساكهن فلا تتعجلوا في مفارقتهن، فإنه عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله لكم في الصبر عليه وعدم إنفاذه خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة.
والآية الكريمة - كما يقول د. حذيفة المسير- ترشدنا إلى حكم عظيمة منها أن على العاقل أن ينظر إلى الحياة الزوجية من جميع نواحيها، لا من ناحية واحدة منها وهي ناحية البغض والحب.. وأن ينظر في العلاقة التي بينه وبين زوجه بعين العقل والمصلحة المشتركة، لا بعين الهوى.. وأن يحكم دينه وضميره قبل أن يحكم عاطفته في تعامله معها، فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأقرب إلى الخير، وأحبت ما هو ضد ذلك، وربما الشيء الذي كرهته اليوم ولكنها لم تسترسل في كراهيته سيجعل الله فيه خيراً كثيراً في المستقبل.
يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»: أي: عليه ألا يبغضها بغضاً كلياً يحمله على فراقها؛ بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب. والفرك هو البغض الكلي الذي تنسى معه كل المحاسن.
ستار ووقاية
يقول العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم أستاذ السنة النبوية بالأزهر وعضو هيئة كبار العلماء: أوصى الإسلام الرجل بزوجته خيراً، وبيّن الخالق -سبحانه- أنه ستار ووقاية لها، كما أنها ستار ووقاية له، وكان التعبير القرآني أبلغ ما يكون عن هذه العلاقة: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن». وبيّن الله تعالى الغاية المنشودة من حياة الزوجين، وهي أنها السكن والمودة والرحمة بين الزوجين وليس العنف أو الشقاق فقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً».
ويضيف: لقد أمر الله -سبحانه وتعالى- كل الرجال بمعاشرة نسائهم بالمعروف؛ حيث قال جل شأنه: «وعاشروهن بالمعروف».
وكان من آخر وصايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أمور: «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء فإنهم عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، وقد أعطى الرسول للرجال القدوة في حسن معاملة النساء، فكان يداعب زوجاته ويلاعبهن تطييباً لقلوبهن.
وقد قرر الإسلام للزوجة حقوقاً كثيرة منها: حق الصداق، والعدل، والنفقة، وحسن المعاشرة، وأوضح -صلى الله عليه وسلم- أن حسن معاملة النساء دلالة خيرية الإنسان وإيمانه.. فقال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم».. ومما قرره الإسلام من حقوق للمرأة حق الإعفاف، واستشارتها وأخذ رأيها، والوفاء لها.
وإذا كان الإسلام قد حمى حقوق المرأة على هذا النحو فكيف يتسنى للبعض أن يهينها أو يسيئ إليها؟، فهذا السلوك يحمل مخالفة صريحة لما أمر الله به في كتابه ولما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أروع صور البر
تقول الداعية الأزهرية د. آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: كفل الإسلام للزوجة قدراً كبيراً من البر في علاقة زوجها بها، فحقوقها عند الزوج لا تقف عند الحقوق المادية مما ألزم الإسلام به الزوج تجاه زوجته من مأكل ومشرب ومسكن وملبس ودواء وغير ذلك من مظاهر النفقة الواجبة على الزوج، ولا تقف حقوق الزوجة عند علاقة الجسد الحسية وما فيها من شهوات ورغبات مشروعة وتمثل حقاً مهماً من حقوق الزوجة.. لكن الإسلام ارتقى بوضع الزوجة في حياة زوجها إلى درجة من التعامل الإنساني الذي يمثل أروع صور البر بالزوجة.. وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القدوة والمثل في الاهتمام بزوجاته ومما يروى في هذا الشأن أنه كان يقوم للسيدة عائشة إذا دخلت عليه مجلساً ليستقبلها ويجلسها إلى جواره، وكانت هي - رضي الله عنها - تقابل بره ببر مماثل وتفعل معه كما يفعل معها.
وتؤكد العالمة الأزهرية أن الشريعة الإسلامية تلزم الرجل بإكرام زوجته ومعاملتها بالمعروف ومراعاة مشاعرها، والعمل على إسعادها وتحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي لها وجرمت كل عدوان على حقوقها المعنوية. ذلك أن العلاقة بين الزوجين ينبغي أن تسيطر عليها المشاعر والأحاسيس الراقية ولا تستقر إلا في جو من المودة والرحمة والحب.
الحقوق المعنوية
وتضيف د. آمنة: إلى جانب ما قررته شريعة الإسلام للزوجة من حقوق مادية كثيرة على زوجها تؤكد مدى عناية الإسلام بالمرأة وحرصه على حمايتها، وتوفير كل مقومات الحياة الكريمة لها.. عنيت شريعتنا الغراء عناية كبيرة بحقوق الزوجة المعنوية على زوجها لتوفر لها الاستقرار النفسي والطمأنينة وحياة كلها مودة ورحمة، إضافة إلى توفير مقومات الحياة الكريمة من مسكن ونفقة كاملة ورعاية صحية واجتماعية.
فالزوج ملزم شرعاً بحسن معاشرتها وأول ما يجب على الزوج تجاه زوجته إكرامها وحسن معاشرتها، ومعاملتها بالمعروف وتقديم كل ما يمكن تقديمه إليها بما يؤلف قلبها، فضلاً عن تحمل ما يصدر منها.
ومن مظاهر اكتمال الخلق وعمق الإيمان أن يكون الزوج رقيقاً مع زوجته، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم».. وإكرام المرأة يعني البر بها، وإهانتها علامة جحود وعقوق ودليل على الخسة واللؤم.. يقول عليه الصلاة والسلام: «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم».. ومن البر بالزوجة التلطف معها ومداعبتها، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتلطف مع كل نسائه. ومن البر بها أن يرفعها الزوج إلى مستواه، وأن يتجنب أذاها حتى ولو بالكلمة النابية، وقد سأل رجل رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «إن تطعمها إذ طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت». وكل رجل عاقل عليه أن يدرك أن المرأة لا يتصور فيها الكمال، وعليه أن يتقبلها على ما هي عليه.
ومن البر بالزوجة المحافظة على شعورها؛ وذلك بصون اللسان عن رميها بالعيوب التي تكره أن تعاب بها، فقد نهانا خالقنا -عز وجل- عن السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسباب، والنبي أوصى بالمرأة قائلاً: «ولا تضرب الوجه ولا تقبح».
ولذلك قال الفقهاء: «لا يجوز للزوج رمي زوجته بالعيوب، ولا ينبغي الاشمئزاز من الزوجة وإظهار النفور منها، ولتكن النظرة إليها بعينين لا بعين واحدة، فكما أن فيها عيوباً فيها محاسن ينبغي ألا تغفل وتنسى».
كما أن الزوج مطالب شرعاً بحفظ أسرار زوجته وبخاصة ما يكون من الأمور الخاصة بها والتي لا يعرفها إلا زوجها.. قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"